[الأرمن يثيرون الفتنة في جيش رومانوس]
واضطرب العسكر اضطرابا عظيما، وكان معهم جماعة كثيرة من الأرمن، فوضعوا أيديهم في النّهب، وزادت الفتنة، وتفرّقت الرجّالة الموكّلون بالخندق لكثرة الزّحام، وشغلوا بالتماس خلاص نفوسهم عن ردم الخندق، فتساقط فيه من الدّوابّ المحمّلة كثير، واختلط العرب بالروم في موضع العسكر،
[الروم ينهزمون إلى بلد قورس]
واستمكن طمعهم فيهم، وأخذ الروم الطريق إلى الجبل منهزمين، وطلعوا فيه، وحصلوا في بلد قورس [1] عمل الروم، ولحق بعضهم بعضا، ولم يبق مع الملك إلاّ قليل منهم، وانضاف إلى الباقين معه جماعة من الرجّالة الرماة، فحموهم، فهابهم العرب وكفّوا عن تتّبعهم، وتوفّروا على النّهب وطلب الغنيمة، وأخذوا ما يجلّ قدره، فكان منذ اليوم الذي رحل فيه الملك عن أنطاكية متوجّها إلى بلاد الشام، وإلى اليوم الذي وصل فيه عائدا من تبلّ إلى بلاد الروم خمسة عشر يوما. وكان جميع من فقد من عسكر الروم من الرؤساء المشهورين ثلاثة أنفار، قتل أحدهم على أعزاز يوم الوقعة، وهو أدونهم منزلة. والإثنان الآخران أسرا في ذلك اليوم، واشتريا أنفسهما من العرب وتخلّصا، وتخلّص أكثر الأسرى المأخوذين، ولم يفقد من سائرهم إلاّ نفر يسير، وقتل في ذلك اليوم أيضا جماعة من العرب وغيرهم، من جملتهم أميران من جلّ العرب وأماثلهم.
[رومانوس يدخل القسطنطينية ويوصي قائده بالاستعداد لحرب حلب]
وأقام الملك في بلاد الروم بعد عودته نيّفا وأربعين يوما، ودخل القسطنطينية حذرا من حادث يجري بها، لغيبته عنها في إثر ما اتّفق عليه، وخلّف سيمون الأبروطوبستيار الخادم مع العساكر، ورسم له الاستعداد والتأهّب للغزو إلى بلاد حلب عند برد الهواء وكثرة المياه.
[نصر بن صالح يستولي على حلب ويعوّض أخاه الرهبة وبالس ومنبج]
ولما عاد الملك من ناحية بلاد حلب إلى بلاده سار نصر وثمال ابنا صالح لإحضار حرمهما من الحلّة إلى حلب، وسبق نصر بأهله وحرمه إليها، [1] قورس: بالضم ثم السكون، وراء مضمومة، مدينة وكورة من نواحي حلب. (معجم البلدان 4/ 412).